الغرب هم يخافون العقل العربى
العقل العربي بين وعي التخلف وتخلف الوعي
من
المؤكد أن العقل العربي منذ بداية عصر التخلف وحتى الآن يفرز تفكيراً
جامداً ويؤكد وعياً سلبياً. لا نحتاج أن نؤكد هذه المقدمة بالدلائل، فما
حدث منذ بداية القرن الذي مضى والقرن الذي أهلّ وما جرى من وقائع وأحداث
يثبت ذلك بل ويؤكده؟
فهو عقل لا يعرف ما يريد وعاجز عن تحديد ما يريده وهو غيبي
حين يتحدث عن أهدافه، مفرداته مستهلكة وقدراته منهكة، يرفض حين يجب أن يقبل
والعكس صحيح.
أما الحديث عن رؤية الفرص التاريخية واقتناصها وبلورتها فهو
حديث عن الفرص الضائعة وكيف استطعنا بهمة نحسد عليها، ان نستدعيها إلينا
وان نوظف قدراتنا في تأكيدها وان ننجح في ذلك نجاحاً كان لنا السبق فيه،
والسبب في ذلك بسيط جدا، ذلك لأن الذاكرة العربية كانت لا تتكئ إلا على
الماضي ومن ذلك الماضي أسوأ ما فيه، غيبياته وآراء المشعوذين وفتاوى
العاجزين فضلا عن بعض أبيات الشعر في الفخر أو الهجاء. ونصوص هي لزوم ما لا
يلزم. وعلى هذا ظل العقل العربي في قطيعة عن الحاضر، أما عن المستقبل
وتحدياته فذلك شأن آخر لا علاقة لنا فيه، ولذلك بقيت مجتمعاتنا العربية
أسيرة التخلف وما ينتجه هذا التخلف من حروب أهلية وقبلية وطائفية وأمية
نحتل بها الصفوف الاولى في هذا العالم، أضف الى ذلك سوء إدارتنا للانتاج أو
للتنمية. ومع هذا كله وربما قبل هذا، فقد أفرزنا حكاماً ديكتاتوريين
اصطادوا الحكم بالوراثة أو الدبابات. وفي حين كان المطلوب من هذا العقل
العربي ان يوجه وينبه فقد صار محاصراً بين ركنين وأمامه أبواب موصدة. فهو
عدا عن كونه عقلا معطلا ظل قاصرا ايضا عن استيعاب حقائق هذا العصر فلسفة
ومعلومات وإعلاماً يتصل ويتواصل مع مجتمعه، وواجه الى ذلك حاكما ألغى
المؤسسات وشعوبا مغلوبة على أمرها جاهلة وقاصرة كانت حين تعترض تذهب الى
الغيبيات أو الى ردة أصولية تحاكم خصومها بحدي الدين أو السكين وعلى هذا
صارت المشكلة مشكلتان: عقل قاصر لم يعِ التقدم الذي يدق ابواب العالم كل
يوم بالجديد، وشعوب محاصرة ضمن جدران محكمة الاغلاق شيدها إما حاكم مستبد
وإما ظروف قاهرة خلقها حكم مطلق على مدى التاريخ العربي منذ أن بطل أمر
الحكم “شورى بينكم”.
ومع كل ذلك، فقد حدث في التاريخ المعاصر حالات نهضت فيها
الأمة لتغيير واقعها. قاومت الاستعمار وانتزعت الاستقلال وواجهت أعظم هجمة
استعمارية بعيد الحرب العالمية الثانية تمثلت في احتلال اليهود لفلسطين
وإقامة دولة لهم فيها. وما زالت تواجه هذا الاحتلال الاستيطاني وأقامت ايضا
دولة الوحدة بين مصر وسوريا بدت في حينها بأنها دولة الوعد بالتقدم
وامتلاك القوة لمواجهة التحديات. ومع ذلك، اذا استثنينا فلسطين الآن من
المعادلة وهو استثناء مؤقت فإن كل هذه الانتفاضات المشروعة لم تستطع
المحافظة على إنجاز خطوات تاريخية لإرساء علاقات صحية بين شعوب هذه
المنطقة. بل الذي حصل هو العكس تماما فقد سقطت معظم الاقطار العربية في
قبضة العسكر او في قبضة عائلة مالكة، لقد حاولنا وما زلنا نحاول ان نقاوم
التخلف بالعنف واستخدمنا هذا العنف بالتعامل مع شعوبنا، وبدلا من ان تتمتع
تلك الشعوب بحريتها وحقها في تنظيم أحزابها أو بحرية القول والعمل وهو نص
موجود في دستور كل دولة عربية ومشطوب ايضا من كل دستور.
وأعتقد انه كان هناك تواطؤ ما، حصل بدون اتفاق ولكنه أدى الى
نتائج سلبية. وقد تمثل ذلك التواطؤ بين العقل العربي الجامد والمتخلف
والحاكم العربي المتسلط والمتطلب. وعلى هذا فإن العقل العربي، الذي كان
عليه ان يحلل الواقع وان ينتج أفكاراً جديدة وان يبلور أهداف المستقبل، قد
استقال من دوره تماما فأصبح داعية لهذا الحاكم أو ذاك يبرر ويبخر، ومع ان
القيم هي ذاتها فقد استخدمت تلك القيم على ألسنة دعاة السلطان بمعان
متباينة خدمة لأغراضه بحيث يمكننا ان نقرر بأن هذا العقل الذي نفترضه رائدا
أنتج المقولتين التاليتين “بالدم بالروح نفديك يا...” او “حكم الشعب
بالشعب ومن أجل الشعب” تلك المقولتان رسختا التخلف وعممتاه وألغتا التقدم
لحساب التسلط لنواجه حالة من حالتين إما وعي التخلف وهو ما يصب في خانة
المستقبل وإما تخلف الوعي وهو ما ينتجه حاضر هذه الأمة على كل صعيد وعلى
هذا فسيبقى المطلوب خلق عقل جماعي ناقد وقادر على المحاسبة وهي مهمة تبدو
مستحيلة في ما يحوطنا من ظروف قاهرة وقوى متسلطة.
نحن إذن في مأزق، وعندما يكون العقل العربي، عقل النخب
العربية من مثقفين وسياسيين اقتصاديين، غير قادر على ممارسة دوره في رسم
إشارات التقدم، بل وممنوع عليه ان يمارس هذا الدور فلا بد ان العالم العربي
سوف يعرف الكثير من الفتن والردة الدائمة نحو الاصولية بحثا عن حل مستحيل
في نفق المأزق ذاته، ومع ذلك فقد تمت عدة محاولات لنقد العقل العربي حددت
منهجية جديدة نقدية ومتطورة تمثلت في نقد التحليلات السابقة بما فيها أهداف
مستحيلة لمرحلة الخمسينيات ثم حددت تلك المحاولات أسلوبا جديدا عمليا
وعلميا للتعامل مع الاحداث وقراءتها يدل على بعضها ما كتبه محمد عابد
الجابري وجورج طرابيشي ونصر ابو زيد ومحمد اركون وسواهم وهي محاولات علينا
ان نلاقيها في منتصف الطريق، حين السؤال الدائم هو ضرورة معرفة ما نريد
فعلينا ان نقرر في نفس الوقت كيف نحقق ما نريد والسبل الى ذلك ميسورة بنسب
شتى وبإمكانيات متوافرة والمطلوب عقل شجاع يمتلك الرؤية والحس التاريخي لكي
يتقدم بنا خطوات الى الامام.
قيل لأحد الفلاسفة اي العقول افضل فقال: العقل الذي اذا
حاورته وجدته عليما وإذا خبرته وجدته حكيما وإذا اعترض كان حليما، وإذا وعد
كان الموعد حقا وعظيما.
فهل هناك حاكم عربي ومعه فريق عمل عالم وحكيم، خلاق ومبدع
يتقدمون الى الامام قليلا لكي يضعوا المستقبل على جدول العمل اليومي.
ونقل العرب من تخلف الوعي إلى وعي التخلف
جدلنا العربي قائم على ثنائيتين مرعبتين الماضي والمستقبل والفارق بينهما
خيط دقيق لكن السائد عندنا هو استدبار المستقبل واستقبال الماضي. الماضي
بكل جمالياته وأوساخه مازال حاضرا يفتت حاضرنا... انظر حوارات "المستقلة"
مثالا. هذه أمة يلعب فيها الماضي ويأكل من جسدها المتقيح من فتن الماضي. هل
هناك مستقبل للعرب؟ لست متفائلا كثيرا ولو عقدنا ألف منتدى مستقبل! عرب
يفكرون في الشعارات بدلا من الواقعية ويشتغلون على العاطفة أكثر من
اشتغالهم على العقل، تحركهم الخرافة والأساطير والمثولوجيا أكثر من المعرفة
والعلم والتكنولوجيا. العالم يشتغل على الصناعة ومشروعات الانماء وخلق
مزيد من فرص العمل، وهم يشتغلون على تأسيس مؤسسات طائفية وفئوية وشوفينية.
هم يبنون مراكز ومعاهد لدراسة أبعاد القرآن عبر دراسات استشراقية ونحن نضخ
الملايين لحفظ القرآن عن ظهر قلب. الإسلام يأمرنا بالتدبر ونحن لاهثون وراء
الحفظ. آلاف العوائل تتكدس في فقر مدقع ونحن نرصد الملايين للتفنن في
زخرفة المساجد في استعراض لا يقبل به الله. بالعربي الفصيح هرولنا وراء
الشكليات وتركنا الكيف والنوعية. المساجد وغيرها مهمة ولكن لماذا لا نوقف
جزءا من المبالغ للبناء والأخرى في مشروع تجاري يخدم التنمية ويخدم المسجد
لماذا الاستعراض و"الشو" بدأ يتسلل حتى إلى دور العبادات في عالمنا العربي؟
تذهب الغرب تجد مراكز صغيرة عملها يفوق آلاف المرات من حجمها! العبرة
بالمضمون... الزمن الراهن هو ساحة سباق وتحد معرفي وتنافس صناعي زمن
الابتكار زمن الفضاء زمن تسويق الذات، من يريد أن يفهم وضعنا العربي فليذهب
القاهرة أو اي حي شعبي عربي. هل تريدون قراءة واقعنا الثقافي والسياسي
والاجتماعي؟ بعض المفردات اليومية ستكشف لكم الرؤية انظروا المساكن الشعبية
المتنافرة في هذه الاحياء، انظر تصحير التشجير، المساكن الشعبية
الاقتصادية التي تسكنها الدول ذوي الدخل المحدود، بقع معبرة عن تسرب المياه
من الحمامات ودورات المياه حمامات المساجد والاماكن العامة والاسواق
الشعبية. حدثني صديق انه ذهب إلى دورة مياه الجامعة العربية فأصيب بإحباط
شديد! ما رأيكم في تساقط القمامة في الشارع من سيارات البلدية؟ ما رأيكم في
مطبخ مستشفى السلمانية الطبي؟ ما رأيكم في لصق الاعلانات التجارية
والاجتماعية والسياسية على اشارات المرور وفوق لوحات السلامة المرورية وفوق
البيوت الخ؟ السنا نعيش في فوضى؟ ما رأيكم في غلاء الأدوية؟ ما رأيكم في
ضياع البحرينيات المطلقات والأرامل؟ هل تعلمون ماذا يجري من ظلم بعض أرباب
العمل على البحرينيات العاملات في المصانع؟ اذا نحن بحاجة إلى منتدى
للمستقبل لنا جميعا للانتقال من تخلف الوعي إلى وعي التخلف
مازال الخير في امتي وهناك نقاش مفتوح يا عرب مما بيننا